فصل: باب ما جاء في السحر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



.باب ما جاء في السحر:

السحر لغة: ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السَّحَر لأخر الليل، لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السحور، لما يؤكل في آخر الليل، لأنه يكون خفيًّا، فكل شيء خفي سببه يسمى سحرًا.
وأما في الشرع، فإنه ينقسم إلى قسمين:
الأول: عقد ورقي، أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة: 102].
الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله، فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف.
فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك.
فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئًا فشيئًا حتى يهلك.
وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه.
وفي عقله، فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله.
فالسحر قسمان:
أ- شرك، وهو الأول الذي يكون بواسطة الشياطين، يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور.
ب- عدوان، وفسق وهو الثاني الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.
وبهذا التقسيم الذي ذكرناه نتوصل به إلى مسألة مهمة، وهي: هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟
اختلف في هذا أهل العلم:
فمنهم من قال: إنه يكفر.
ومنهم من قال: إنه لا يكفر.
ولكن التقسيم السابق الذي ذكرناه يتبين به حكم هذه المسألة، فمن كان سحره بواسطة الشيطان، فإنه يكفر لأنه لا يتأتى ذلك إلا بالشرك غالبًا، لقوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة لا تكفر} إلى قوله: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} [البقرة:102]، ومن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوها، فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصيًا معتديًا.
وأما قتل الساحر، فإن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوهما، فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصيًا معتديًا.
وأما قتل الساحر، فإن كان سحره كفرًا، قتل قتل ردة، إلا أن يتوب على القول بقبول توبته، وهو الصحيح، وإن كان سحره دون الكفر، قتل قتل الصائل، أي: قتل لدفع أذاه وفساده في الأرض، وعلى هذا يرجع في قتله إلى اجتهاد الإمام وظاهر النصوص التي ذكرها المؤلف أنه يقتل بكل حال، فالمهم أن السحر يؤثر بلا شك، لكنه لا يؤثر بقلب الأعيان إلى أعيان أخرى، لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله- عز وجل-، وإنما يخيل إلى المسحور أن هذا الشيء انقلب وهذا الشيء تحرك أو مشى وما أشبه ذلك، كما جرى لموسى عليه الصلاة والسلام أمام سحرة آل فرعون، حيث كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
إذا قال قائل: ما وجه إدخال باب السحر في كتاب التوحيد؟
نقول: مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
لأن من أقسام السحر ما لا يتأتى غالبًا إلا بالشرك، فالشياطين لا تخدم الإنسان غالبًا إلا لمصلحة، ومعلوم أن مصلحة الشيطان أن يغوي بني آدم فيدخلهم في الشرك والمعاصي.
وقول الله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} الآية [البقرة: 102].
وقوله: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} [النساء: 51].
وقد ذكر المؤلف في الباب آيتين:
* الآية الأولى قوله تعالى: {ولقد علموا}.
ضمير الفاعل يعود على متعلمي السحر، والجمة مؤكدة بالقسم واللام وقد.
ومعنى: {اشتراه}، أي: تعلمه.
قوله: {ما له في الآخرة من خلاق}، أي: ما له من نصيب، وكل من ليس له في الآخرة من خلاق، فمقتضاه أن عمله حابط باطل، لكن إما أن ينتفي النصيب انتفاء كليًّا فيكون العمل كفرًا، أو ينتفي كمال النصيب فيكون فسقًا.
* الآية الثانية قوله تعالى: {يؤمنون}، أي: اليهود. {بالجبت}، أي السحر كما فسرها عمر بن الخطاب.
واليهود كانوا من أكثر الناس تعلمًا للسحر وممارسة له، ويدعون أن سليمان عليه السلام علمهم، إياه وقد اعتدوا، فسحروا النبي.
قوله: {الطاغوت}. أجمع ما قيل فيه: هو ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع.
ومعنى (من معبود)، أي: بعلمه ورضاه، هكذا قال ابن القيم رحمه الله، وقد سبق في أول الكتاب التعليق على هذا القول عند قوله: {واجتنبوا الطاغوت}.
قال عمر: (الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان).
الشاهد: قوله: {بالجبت}، حيث فسرها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بأنها السحر.
وأما تفسيره الطاغوت بالشيطان، فإنه من باب التفسير بالمثال.
والسلف رحمهم الله يفسرون الآية أحيانًا بمثال يحتذى عليه، مثل قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} [فاطر: 32].
قال بعض المفسرين: الظالم لنفسه: الذي لا يصلي إلا بعد خروج الوقت، والمقتصد: الذي يصلي في آخر الوقت، والسابق بالخيرات: الذي يصلي في أول الوقت.
وهذا مثال من الأمثلة، وليس ما تدل عليه الآية على وجه الشمول، ولهذا فسرها بعضهم بأن الظالم لنفسه الذي لا يخرج الزكاة، والمقتصد من يخرج الزكاة ولا يتصدق، والسابق بالخيرات من يخرج الزكاة ويتصدق.
فتفسير عمر رضي الله عنه للطاغوت بالشيطان تفسير بالمثال، لأن الطاغوت أعم من الشيطان، فالأصنام تعتبر من الطواغيت، كما قال تعالى: {وعبد الطاغوت} [المائدة:60]، والعلماء والأمراء الذين يضلون الناس يعتبرون طواغيت، لأنه طغوا وزادوا ما ليس لهم به حق.
وقال جابر: (الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد).
قوله: (الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد).
هذا أيضًا من باب التفسير بالمثال، حيث إنه جعل من جملة الطواغيت الكهان.
والكاهن، قيل: هو الذي يخبر عما في الضمير.
وقيل: الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
وكان هؤلاء الكهان تنزل عليهم الشياطين بما استرقوا من السمع من السماء، وكان كل حي من أحياء العرب لهم كان يستخدم الشياطين، فتسترق له السمع، فتأتي بخبر السماء إليه.
وكانوا يتحاكمون إليهم في الجاهلية.
والطواغيت ليسو محصورين في هؤلاء، فتفسير جابر رضي الله عنه تفسير بالمثال كتفسير عمر رضي الله عنه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله! وما هن؟
قوله: «اجتنبوا السبع الموبقات».
النبي أنصح الخلق للخلق، فكل شيء يضر الناس في دينهم ودنياهم يحذرهم منه، ولهذا قال: «اجتنبوا»، وهي أبلغ من قوله: اتركوا، لأن الاجتناب معناه أن تكون في جانب وهي في جانب آخر، وهذا يستلزم البعد عنها.
و: «اجتنبوا»، أي: اتركوا، بل أشد من مجرد الترك، لأن الإنسان قدر يترك الشيء وهو قريب منه، فإذا قيل: اجتنبه، يعني: اتركه مع البعد.
وقوله: «السبع الموبقات». هذا لا يقتضي الحصر، فإن هناك موبقات أخرى، ولكن النبي يحصر أحيانًا بعض الأنواع والأجناس، ولا يعني بذلك عدم وجود غيرها.
ومن ذلك الحديث: «السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، فهناك غيرهم، ومثله:
«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم»، ثم قال: «المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»، وأمثلة هذا كثيرة، وإن قلنا بدلالة حديث أبي هريرة في الباب على الحصر لكونه وقع بـ: (أل) المعرفة، فإنه حصرها لأن هذه أعظم الكبائر.
قوله: (قالوا: يا رسول الله! وما هن؟).
كان الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على العلم، والنبي إذا ألقى إليهم الشيء مبهمًا طلبوا تفسيره وتبيينه، فلما حذرهم النبي من السبع الموبقات قالوا ذلك لأجل أن يجتنبوهن، فأخبرهم، وعلى هذه القاعدة (أن الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على العلم)، لكن ما كانت الحكمة في إخفاءه، فإن النبي لا يخبرهم، كقوله: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة»، ولم يرد تبيينها عن النبي في حديث صحيح.
وقد حاول بعض الناس أن يصحح حديث سرد الأسماء التسعة والتسعين، ولم يصب، بل نقل شيخ الإسلام اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدها وسردها لا يصح عن النبي، وصدق رحمه الله بدليل الاختلاف الكبير فيها.
فمن حاول تصحيح هذا الحديث، قال: إن الثواب عظيم، «من أحصاها دخل الجنة»، فلا يمكن للصحابة أن يفوتوه، فلا يسألوا عن تعيينها فدل هذا على أنها قد عينت من قبل النبي.
لكن يجاب عن ذلك بأنه ليس بلازم، ولو عينها النبي، لكانت هذه الأسماء التسع والتسعين معلومة للعالم أشد من علم الشمس، ولنقلت في (الصحيحين) وغيرهما، لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه، وتلح بحفظه والعناية به، فكيف لا يأتي إلا عن طريق واهية وعلى صور مختلفة؟!
فالنبي لم يبينها لحكمة بالغة، وهي أن يطلبها الناس ويتحروها في كتاب الله وسنة رسول الله، حتى يعلم الحريص من غير الحريص.
كما ولم يبين النبي ساعة الإجابة يوم الجمعة، والعلماء اختلفوا في حديث أبي موسى الذي في مسلم، حيث قال فيه: «إنها ما بين أن يخرج الإمام إلى أن تقضى الصلاة»، فإن بعضهم صححه وبعضهم ضعفه، لكن هو عندي صحيح، لأن علة التضعيف فيه واهية، والحال تؤيد صحته، لأن الناس مجتمعون أكبر اجتماع في البلد على صلاة مفروضة، فيكون هذا الوقت في هذه الحال حريًّا بإجابة الدعاء، وكذلك ليلة القدر لم يبينها النبي مع أنها من أهم ما يكون.
وقوله: «الموبقات»، أي: المهلكات، قال تعالى: {وجلعنا بينهم موبقًا} [الكهف: 52]، أي: مكان هلاك.
قوله: (قالوا: يا رسول الله! وما هن؟). سألوا عن تبيينها، وبه تتبين الفائدة من الإجمال، وهي أن يتطلع المخاطب لبيان هذا المجمل، لأنه إذا جاء مبينًا من أول وهلة، لم يكن له التلقي والقبول كما إذا أجمل ثم بين.
قوله: (وما هن)، (ما): اسم استفهام مبتدأ، و: (هن): خبر المبتدأ.
وقيل بالعكس، (ما): خبر مقدم وجوبًا، لأن الاستفهام له الصدارة، و: (هن): مبتدأ مؤخر.
لأن (هن) ضمير معرفة، و: (ما) نكرة، والقاعدة المتبعة أنه يخبر بالنكرة عن المعرفة ولا عكس.
«قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
قوله: «قال: الشرك بالله». قدمه لأنه أعظم الموبقات، فإن أعظم الذنوب أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك.
والشرك بالله يتناول الشرك بربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه أو صفاته.
فمن اعتقد أن مع الله خالقًا أو معينًا، فهو مشرك، أو أن أحدًا سوى الله يستحق أن يعبد، فهو مشرك وإن لم يعبده، فإن عبده، فهو أعظم، أو أن لله مثيلًا في أسمائه، فهو مشرك، أو أن الله استوى على العرش كاستواء الملك على عرش مملكته، فهو مشرك، أو أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزول الإنسان إلى أسفل بيته من أعلى، فهو مشرك.
قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]، وقال تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة: 72].
وبين أن الشرك أعظم ما يكون من جناية والجرم بقوله حين سئل: أي الذنب أعظم: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك».
فالذي خلقك وأوجدك وأمدك وأعدك ورزقك كيف تجعل له ندًّا؟ فلو أن أحدًا من الناس أحسن إليك بما دون ذلك، فجلعت له نظيرًا، لكان هذا الأمر بالنسبة إليه كفرًا وجحودًا.
قوله: (والسحر)، أي: من الموبقات، وظاهر كلام النبي أنه لا فرق بين أن يكون ذلك بواسطة الشياطين أو بواسطة الأدوية والعقاقير.
لأنه إن كان بواسطة الشياطين، فالذي لا يأتي إلا بالإشراك بهم، فهو داخل في الشرك بالله.
وإن كان دون ذلك، فهو أيضًا جرم عظيم، لأن السحر من أعظم ما يكون في الجناية على بني آدم، فهو يفسد على المسحور أمر دينه ودنياه، ويقلقه فيصبح كالبهائم، بل أسوأ من ذلك، لأن البهيمة خلقت هكذا على طبيعتها، أما الآدمي، فإنه إذا صرف عن طبيعته وفطرته لحقه من الضيق والقلق ما لا يعلمه إلا رب العباد، ولهذا كان السحر يلي الشرك بالله- عز وجل-.
قوله: (وقتل النفس)، القتل: إزهاق الروح، والمراد بالنفس: البدن الذي فيه الروح، والمارد بالنفس هنا: نفس الآدمي وليس نفس البعير والحمار وما أشبهها.
وقوله: (التي حرم الله).. مفعول (حرم) محذوف تقديره. حرم قتلها، فالعائد على الموصول محذوف.
وقوله: (إلا بالحق)، أي: بالعدل، لأن هذا حكم، والحق إذا ذكر بإزاء الأحكام، فالمراد به العدل، وإذا ذكر بإزاء الأخبار، فالمراد به الصدق، والعدل هو ما أمر الله به ورسوله، قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} [النحل: 90].
والنفس المحرمة أربعة أنفس، هي: نفس المؤمن، والذمي، والمعاهد، والمستأمن، بكسر الميم: طالب الأمان.
فالمؤمن لإيمانه، والذمي لذمته، والمعاهد لعهده، والمستأمن لتأمينه.
والفرق بين الثلاثة- الذمي، والمعاهد، والمستأمن: أن الذمي هو الذي بيننا وبينه ذمة، أي: عهد على أن يقيم في بلادنا معصومًا مع بذل الجزية.
وأما المعاهد، فيقيم في بلاده، لكن بيننا وبينه عهد أن لا يحاربنا ولا نحاربه.
وأما المستأمن، فهو الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد، لكننا أمناه في وقت محدد، كرجل حربي دخل إلينا بأمان للتجارة ونحوها، أو ليفهم الإسلام، قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} [التوبة: 6]، وهناك فرق آخر، وهو أن العهد يجوز من جميع الكفار، والذمة لا تجوز إلا من اليهود والنصارى والمجوس دون بقية الكفار، وهذا هو المشهور من المذهب، والصحيح: أنها تجوز من جميع الكفار.
فهذه الأنفس الأربع قتلها حرام، لكنه ليست على حد سواء في التحريم، فنفس المؤمن أعظم، ثم الذمي، ثم المعاهد، ثم المستأمن.
وهل المستأمن مثل المعاهد أو أعلى؟
أشك في ذلك، لأن المستأمن من له عهد خاص، بخلاف المعاهدين، فالمعاهدون يتولى العهد أهل الحل والعقد منهم، فليس بيننا وبينهم عقود تأمينات خاصة، وأيًّا كان، فالحديث عام، وكل منهم معصوم الدم والمال.
وقوله: (إلا بالحق)، أي: مما يوجب القتل، مثل: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
قوله: (وأكل الربا)، الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قوله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [الحج: 5]، يعني: زادت.
وفي الشرع: تفاضل في عقد بين أشياء يجب فيها التساوي، ونسأ في عقد بين أشياء يجب فيها التقابض.
والربا: ربا فضل، أي: زيادة، وربا نسيئة، أي: تأخير، وهو يجري في ستة أموال بينها الرسول في قوله: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح»، فهذه هي الأموال الربوية بنص الحديث وإجماع المسلمين، وهذه الأصناف الستة إن بعت منها جنسًا بمثله جرى فيه ربا الفضل وربا النسيئة، فلو زدت واحدًا على آخر، فهو ربا فضل، أو سويته لكن أخرت القبض، فهو ربًا نسيئة، وربما يجتمع النوعان كما لو بعت ذهبًا متفاضلًا والقبض متأخر، فقد اجتمع في هذا العقد ربا الفضل وربا النسيئة، وعلى هذا، فإذا بعت جنسًا بجنسه، فلا بد من أمرين: التساوي، والتقابض في مجلس العقد.
وإذا اختلفت الأجناس واتفقت العلة، أي: اتفق المقصود في العوضين، فإنه يجري ربا النسيئة دون ربا الفضل، فذهب بفضة متفاضلًا مع القبض جائز، وذهب بفضة متساويًا مع التأخير ربا لتأخر القبض.
قال: «فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد».
وقولنا: اتفقا في الغرض والمقصود احترازًا مما إذا اختلف الغرض منها.
فالذهب مثلًا ثمن للأشياء، والفضة ثمن للأشياء، والبر قوت.
وعلى هذا يجوز بيع صاع من البر بدينار من الذهب مع التفرق وعدم التساوي لاختلاف القصد، لأن هذا يقصد به النقد والثمنية، وهذا يقصد به القوت.
فإن قيل: الحديث يدل على أنه لا يصح إلا بالقبض، فما هو الجواب؟
نقول: حقيقة إن هذا مقتضى الحديث أنك إذا بعت ذهبًا ببر وجب التقابض، لقوله: «فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد».
والجواب عن هذا أن نقول: قد دلت السنة من وجه آخر على أن القبض ليس بشرط فيما إذا كان أحدهما ثمنًا، قال ابن عباس: قدم النبي المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: (من أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم).
وعلى هذا، فحديث: «فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» لا عموم لمفهومه، فلا يشترط القبض في كل صورة من صور المخالفة، وإنما يشترط القبض فيما فيما إذا اتفقا في الغرض، كذهب بفضة، أو بر بشعير، وأما ذهب أو فضة بشعير ونحوه، فلا يشترط القبض.
واختلف العلماء فيما عدا هذه الأصناف الستة، فالظاهرية قالوا: لا يجري الربا إلا في هذه الأصناف الستة لأنهم لا يرون القياس، فيقتصر على ما جاء به النص، فيجوز عندهم مبادلة أرز بذرة متفاضلًا مع تأخر القبض، لأنهما لا يدخلان في المنصوص عليه.
وأما أهل القياس من المذاهب الأربعة، فإنهم عدوا الحكم إلى غيرها، إلا أن بعضًا منهم لم يعد الحكم إلى غيرها، وهو من أهل القياس، مثل ابن عقيل رحمه الله، فإنه قال: لا يجري الربا إلا في هذه الأصناف الستة، لا لأنه لا قياس، ولكن لأن العلماء اختلفوا واضطربوا في العلة التي من أجلها كان الربا، فلما اضطربوا في العلة ألغينا جميع هذه العلل، وأبقينا النص على ما هو عليه من الحصر في المنصوص عليه.
والصحيح أن الربا يجري في غير الأصناف الستة، وأن العلة هي الكيل والادخار مع الطعم، وهو أن يكون قوتًا مدخرًا، وهذا بالنسبة للبر والتمر والشعير.
وبالنسبة للذهب والفضة: العلة هي الجنس والثمنية، فقولنا: (الجنس) لأجل أن يشمل الحلي إذا بيع بعضه ببعض، فيجري فيه الربا، مع أنه ليس بثمن، والثمنية مثل الدراهم والدنانير والأوراق النقدية المعروفة، فإنها بمنزلة الذهب والفضة، أو يقال: العلة الثمنية فقط والحلي خارج عن الثمنية خروجًا طارئًا، لأن التحلي طارئ، والأصل في الذهب والفضة الثمنية، لأنهما ثمن الأشياء.
وأما الملح، فقال شيخ الإسلام: إنه يصلح به القوت، أي: فهو تابع له، فالعلة ليس أنه قوت، لكنه من ضرورياته، ولهذا لو طحنت برًا ولم يكن فيه ملح، لم يبق إلا أيامًا، يسير، فيفسد، فإذا كان فيه الملح منعه من الفساد، فيقول: لما كان يصلح به القوت جعل له حكمه.
وقوله: (وأكل الربا). ذكر النبي الأكل، لأنه أعم وجود الانتفاع، هكذا قال أهل العلم، ولهذا قال تعالى في بني إسرائيل: {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} [النساء: 161]، ولم يقل أكلهم، والأخذ أعم من الأكل، فأكل الربا معناه أخذه، سواء استعمله في الأكل أو الفرش أو البناء أو المسكن أو غير ذلك.
قوله: (وأكل مال اليتيم)، اليتيم: هو الذي مات أبوه قبل بلوغه، سواء كان ذكرًا أم أنثى، أما من ماتت أمه قبل بلوغه، فليس يتيمًا لا شرعًا ولا لغة.
لأن اليتيم مأخوذ من اليتم، وهو الانفراد، أي: انفرد عن الكاسب له، لأن أباه هو الذي يكسب له.
وخص اليتيم، لأنه لا أحد يدافع عنه، ولأنه أولى أن يرحم، ولهذا جعل الله له حقًا في الفيء، وإذا كان أحق أن يرحم، فكيف يسطو هذا الرجل الظالم على ماله فيأكله؟
ويقال في أكل مال اليتيم ما قيل في أكل الربا، فليس خاصًا بالأكل، بل حتى لو استعمله في السكن أو الفرش أو الكتب أو غيرها، فهو داخل في ذلك.
وأكل ما غير اليتيم ليس من الكبائر، لأن اليتيم له شأن خاص، ولهذا توعد الله من يأكل أموال اليتامى، قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10].
قوله: (والتولي يوم الزحف). التولي: بمعنى الإدبار والإعراض، ويوم الزحف، أي: يوم تلاحم الصفين في القتال مع الكفار، وسمي يوم الزحف، لأن الجموع إذا تقابلت تجد أن بعضها يزحف إلى بعض، كالذي يمشي زحفًا كل واحد منهم يهاب الآخر، فيمشي رويدًا رويدًا.
والتولي يوم الزحف من كبائر الذنوب، لأنه يتضمن الإعراض عن الجهاد في سبيل الله، وكسر قلوب المسلمين، وتقوىة أعداء الله، وهذا يؤدي إلى هزيمة المسلمين.
لكن هذا الحديث خصصته الآية، وهي قوله تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا منحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله} [الأنفال: 16].
فالله سبحانه استثنى حالتين:
الأولى: أن يكون متحرفًا لقتال، أي: متهيئًا له، كمن ينصرف ليصلح من شأنه أو يهيئ الأسلحة ويعدها، ومنه الانحراف إلى مكان آخر يأتي العدو من جهته، فهذا لا يعد متوليًا، إنما يعد متهيئًا.
الثانية: المتحيز إلى فئة كما إذا حصرت سرية للمسلمين يمكن أن يقضي عليها العدو، فانصرف من هؤلاء لينقذها، فهذا لا بأس به لدعاء الضرورة إليه، بشرط ألا يكون على الجيش ضرر، فإن كان على الجيش ضرر وذهبت طائفة كبيرة إلى هذه السرية بحيث توهن قوة الجيش وتكسره أمام العدو، فإنه لا يجوز، لأن الضرر هنا متحقق، وإنقاذ السرية غير متحقق، فلا يجوز لأن المقصود إظهار دين الله، وفي هذا إذلال لدين الله، إلا إذا كان الكفار أكثر من مثلي المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ، لقوله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن لم يكن منكم ألف يغلبوا ألفين} [الأنفال: 66]، أو كان عندهم عدة لا يمكن للمسلمين مقاومتها، كالطائرات إذا لم يكن عند المسلمين من الصواريخ ما يدفعها، فإذا علم أن الصمود يستلزم الهلاك والقضاء على المسلمين، فلا يجوز لهم أن يبقوا، لأن مقتضى ذلك أنهم يغررون بأنفسهم.
وفي هاتين الآيتين تخصيص السنة بالكتاب، وهو قليل، ومن تخصيص السنة بالكتاب أن من الشروط التي بين النبي والمشركين في الحديبية أن من جاء من المشركين مسلمًا يرد إليهم، وهذا الشرط عام يشمل الذكر والأنثى، فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} [الممتحنة: 10].
قوله: (وقذف المحصنات). القذف: بمعنى الرمي، والمراد به هنا الرمي بالزنا، والمحصنات هنا الحرائر، وهو الصحيح، وقيل: العفيفات عن الزنا.
والغافلات: وهن: العفيفات عن الزنا البعيدات عنه، اللاتي لا يخطرعلى بالهن هذا الأمر.
والمؤمنات احترازًا من الكافرات، فمن قذف امرأة هذه صفاتها، فإن ذلك من الموبقات، ومع ذلك يقام عليه الحد- ثمانون جلدة-، ولا تقبل شهادته ويكون فاسقًا، فجعل الله عليه ثلاثة أمور، قال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 2]، ثم قال: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} [النور: 3].
وهذا الاستثناء لا يشمل أو الجمل بالاتفاق، ويشمل آخر الجمل بالاتفاق، واختلف العلماء في الجملة الثانية، وهي قوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا}، فقيل: إنه يعود إليها، وقيل: لا يعود.
وبناءً على ذلك إذا تاب القاذف: هل تقبل شهادته أم لا؟
الجواب: اختلف في ذلك أهل العلم.
فمنهم من قال: لا تقبل شهادته أبدًا ولو تاب، وأيدوا قولهم بأن الله أبد ذلك بقوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا} [النور: 4]، وفائدة هذا التأبيد أن الحكم لا يرتفع عنهم مطلقًا.
وقال آخرون: بل تقبل، لأن مبنى قبول الشهادة وردها على الفسق، فإذا زال وهو المانع من قبول الشهادة، زال ما يترتب عليه.
وينبغي في مثل هذا أن يقال: إنه يرجع إلى نظر الحاكم، فإذا رأى من المصلحة عدم قبول الشهادة لردع الناس عن التهاون بأعراض المسلمين، فليفعل.
وإلا، فالأصل أنه إذا زال الفسق وجب قبول الشهادة، وهل قذف المحصنين الغافلين المؤمنين كقذف المحصنات من كبائر الذنوب؟
الجواب: الذي عليه جمهور أهل العلم أن قذف الرجل كقذف المرأة، وإنما خص بذلك المرأة، لأن الغالب أن القذف يكون للنساء أكثر، إذ البغايا كثيرات قبل الإسلام، وقذف المرأة أشد، لأنه يستلزم الشك في نسب أولادها من زوجها، فيلحق بهن القذف ضررًا أكثر، فتخصيصه من باب التخصيص بالغالب، والقيد الأغلبي لا مفهوم له، لأنه لبيان الواقع.
والشاهد من هذا الحديث قوله: (السحر).
وعن جندب مرفوعًا: «حد الساحر ضربة بالسيف». رواه الترمذي، وقال: (الصحيح أنه موقوف).
قوله: (وعن جندب). ليس هو جندب بن عبد الله البجلي، بل جندب الخير المعروف بقاتل الساحر.
قوله: (مرفوعًا)، أي: إلى النبي، فيكون من قول النبي عليه الصلاة والسلام، لكن نقل المؤلف عن الترمذي قوله: والصحيح أنه موقوف، أي: من قول جندب.
قوله: «حد الساحر ضربة بالسيف». حده يعني: عقوبته المحددة شرعًا.
وظاهره أنه لا يكفر، لأن الحدود تطهر المحدود من الإثم.
والكافر إذا قتل على ردته، فالقتل لا يطهره.
وهذا محمول على ما سبق: أن من أقسام السحر ما لا يخرج الإنسان عن الإسلام، وهو ما كان بالأدوية والعقاقير التي توجب الصرف والعطف وما أشبه ذلك.
قوله: (ضربة بالسيف). روي بالتاء بعد الباء، وروي بالهاء، وكلاهما صحيح، لكن الأولى أبلغ، لأن التنكير وصيغة الوحدة يدلان على أنها ضربة قوية قاضية.
وفي (صحيح البخاري) عن بجالة بن عبدة، قال: (كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة). قال: (فقتلنا ثلاث سواحر).
هذا كناية عن القتل، وليس معناه أن يضرب بالسيف مع ظهره مصفحًا.
قوله: وفي (صحيح البخاري). ذكر في الشرح- أعني (تفسير العزيز الحميد)- أن هذا اللفظ ليس في (البخاري)، والذي في (البخاري) أنه: (أمر بأن يفرق بين كل ذي محرم من المجوس)، لأنهم يجوزون نكاح المحارم- والعياذ بالله، فأمر عمر أن يفرق بين ذوي الرحم ورحمه، لكن ذكر الشارح صاحب (تيسير العزيز الحميد): أن القطيعي رواه في الجزء الثاني من (فوائد)، وفيه: (ثم اقتلوا كل كاهن وساحر)، وقال (أي: الشارح): إسناده حسن. قال: وعلى هذا فعزو المصنف إلى البخاري يحتمل أنه أراد أصله لا لفظه. أهـ.
وهذا القتل هل هو حد أم قتله لكفره؟
يحتمل هذا وهذا بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام.
والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل، لأنهم يمرضون ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس، فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم، فإن بعضهم قد يسحر أحدًا ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فسادًا، فكان واجبًا على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة مادام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم، فإن الحد لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد.
وصح عن حفصة رضي الله عنها، (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت). وكذلك صح عن جندب. قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي.
قوله: (قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي).
وهم: عمر، وحفصة، وجندب الخير، أي: صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي.
والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية، لأنهم يسعون في الأرض فسادًا، وفسادهم من أعظم الفاسد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم، لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر.
* فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية البقرة. الثانية: تفسير آية النساء. الثالثة: تفسير الجبت والطاغوت والفرق بينهما. الرابعة: أن الطاغوت قد يكون من الجن وقد يكون من الإنس. الخامسة: معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي.
فيه مسائل:
* الأولى: تفسير آية البقرة، وهي قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 102]، أي: نصيب، ومن لا خلاق له في الآخرة، فإنه كافر، إذ كل من له نصيب في الآخرة فإن ماله إلى الجنة.
* الثانية: تفسير آية النساء، وهي قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} [النساء: 51]، وفسر عمر الجبت بالسحر والطاغوت بالشيطان، وفسر بأن الجبت: كل ما لا خير فيه من السحر وغيره.
وأما الطاغوت، فهو: كل ما تجاوز به الإنسان حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
* الثالثة: تفسير الجبت والطاغوت والفرق بينهما، وهذا بناء على تفسير عمر رضي الله عنه.
* الرابعة: أن الطاغوت قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس. تؤخذ من قول جابر: الطواغيت كهان، وكذلك قول عمر: الطاغوت الشيطان، فإن الطاغوت إذا أطلق، فالمراد به شيطان الجن، والكهان شياطين الإنس.
* الخامسة: معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي. وقد سبق بيانها.
السادسة: أن الساحر يكفر. السابعة: أنه يقتل ولا يستتاب. الثامنة: وجود هذا في المسلمين على عهد عمر، فكيف بعده؟!
* السادسة: أن الساحر يكفر، تؤخذ من قوله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة: 102].
* السابعة: أنه يقتل ولا يستتاب. يؤخذ من قوله: «حد الساحر ضربة بالسيف»، والحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه، بل يقتل بكل حال، أما الكفر، فإنه يستتاب صاحبه، وهذا هو الفرق بين الحد وبين عقوبة الكفر، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود قتل الردة.
فقتل المرتد ليس من الحدود، لأنه يستتاب، فإذا تاب ارتفع عنه القتل، وأما الحدود، فلا ترتفع بالتوبة إلا أن يتوب قبل القدرة عليه، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها وليس بكافر، والقتل بالردة ليس كفارة وصاحبها كافر، لا يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
* الثامنة: وجود هذا في المسلمين في عهد عمر، فكيف فيما بعده؟ ‍تؤخذ من قوله: (كتب عمر: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة)، فهذا إذا كان في زمن الخليفة الثاني في القرون المفضلة، بل أفضلها، فكيف بعده من العصور التي بعدت عن وقت النبي وخلفائه وأصحابه؟ ‍فهو أكثر انتشارًا بين المسلمين، وكلما بعد الناس عن زمن الرسالة استولت عليهم الضلالة والجهالة، فالضلالة: ارتكاب الخطأ عن جهل، والجهالة: ارتكاب الخطأ عن عمد، ولهذا نقول: من عمل سوء بجهالة، فهو آثم، ومن عمل سوء بجهل، فليس بآثم، قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة} الآية [النساء: 17ٍ]، والمراد بالجهالة هنا ليست ضد العلم، بل ضد الرشد، وهي السفه.